كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



فأما اليوم.. فماذا..؟ أين هو المجتمع المسلم الذي قرر أن تكون دينونته لله وحده؛ والذي رفض بالفعل الدينونة لأحد من العبيد؛ والذي قرر أن تكون شريعة الله شريعته؛ والذي رفض بالفعل شرعية أي تشريع لا يجيء من هذا المصدر الشرعي الوحيد؟
لا أحد يملك أن يزعم أن هذا المجتمع المسلم قائم موجود! ومن ثم لا يتجه مسلم يعرف الإسلام ويفقه منهجه وتاريخه، إلى محاولة تنمية الفقه الإسلامي أو تجديده أو تطويره! في ظل مجتمعات لا تعترف ابتداء بأن هذا الفقه هو شريعتها الوحيدة التي بها تعيش. ولكن المسلم الجاد يتجه ابتداء لتحقيق الدينونة لله وحده؛ وتقرير مبدأ أن لا حاكمية إلا لله، وأن لا تشريع ولا تقنين إلا مستمداً من شريعته وحدها تحقيقاً لتلك الدينونة..
إنه هزل فارغ لا يليق بجدية هذا الدين أن يشغل ناس أنفسهم بتنمية الفقه الإسلامي أو تجديدة أو تطويره في مجتمع لا يتعامل بهذا الفقه ولا يقيم عليه حياته. كما أنه جهل فاضح بطبيعة هذا الدين أن يفهم أحد أنه يستطيع التفقه في هذا الدين وهو قاعد، يتعامل مع الكتب والأوراق الباردة، ويستنبط الفقه من قوالب الفقه الجامدة؛.. إن الفقه لا يستنبط من الشريعة إلا في مجرى الحياة الدافق؛ وإلا مع الحركة بهذا الدين في عالم الواقع.
إن الدينونة لله وحده أنشأت المجتمع المسلم، والمجتمع المسلم أنشأ الفقه الإسلامي.
ولا بد من هذا الترتيب.. لابد أن يوجد مجتمع مسلم ناشئ من الدينونة لله وحده، مصمم على تنفيذ شريعته وحدها. ثم بعد ذلك- لا قبله- ينشأ فقه إسلامي مفصل على قد المجتمع الذي ينشأ، وليس جاهزاً معداً من قبل! ذلك أن كل حكم فقهي هو- بطبيعته- تطبيق للشريعة الكلية على حالة واقعة، ذات حجم معين، وشكل معين، وملابسات معينة. وهذه الحالات تنشئها حركة الحياة، داخل الإطار الإسلامي لا بعيداً عنه، وتحدد حجمها وشكلها وملابساتها؛ ومن ثم يفصل لها حكم مباشر على قدها.. فأما تلك الأحكام الجاهزة في بطون الكتب؛ فقد فصلت من قبل لحالات معينة في أثناء جريان الحياة الإسلامية على أساس تحكيم شرعة الله فعلاً. ولم تكن وقتها جاهزة باردة! كانت وقتها حية مليئة بالحيوية؛ وعلينا اليوم أن نفصل مثلها للحالات الجديدة.. ولكن قبل ذلك يجب أن يوجد المجتمع الذي يقرر ألا يدين لغير الله في شرائعه؛ وألا يفصل حكماً شرعياً إلا من شريعة الله دون سواها.
وفي هذا يكون الجهد الجاد المثمر، اللائق بجدية هذا الدين. وفي هذا يكون الجهاد الذي يفتح البصائر؛ ويمكن من التفقه في الدين حقاً.. وغير هذا لا يكون إلا هزلاً تفرضه طبيعة هذا الدين؛ وإلا هروباً من واجب الجهاد الحقيقي تحت التستر بستار تجديد الفقه الإسلامي أو تطويره!.. هروب خير منه الاعتراف بالضعف والتقصير؛ وطلب المغفرة من الله على التخلف والقعود مع المتخلفين القاعدين!
بعد ذلك ترد آية تضع خطة الحركة الجهادية ومداها كذلك. وهما الخطة والمدى اللذان سار عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده بصفة عامة، فلم تشذ عنها إلا حالات كانت لها مقتضيات واقعة:
{يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين}..
فأما خطة الحركة الجهادية التي تشير إليها الآية في قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}..
فقد سارت عليها الفتوح الإسلامية، تواجه من يلون دار الإسلام ويجاورونها، مرحلة فمرحلة. فلما أسلمت الجزيرة العربية- أو كادت ولم تبق إلا فلول منعزلة لا تؤلف قوة يخشى منها على دار الإسلام بعد فتح مكة- كانت غزوة تبوك على أطراف بلاد الروم. ثم كان انسياح الجيوش الإسلامية في بلاد الروم وفي بلاد فارس، فلم يتركوا وراءهم جيوباً؛ ووحدت الرقعة الإسلامية، ووصلت حدودها، فإذا هي كتلة ضخمة شاسعة الأرجاء، متماسكة الأطراف؛.. ثم لم يأتها الوهن فيما بعد إلا من تمزقها، وإقامة الحدود المصطنعة فيما بينها على أساس ملك البيوت، أو على أساس القوميات! وهي خطة عمل أعداء هذا الدين على التمكين لها جهد طاقتهم وما يزالون يعملون.
وستظل هذه الشعوب التي جعل منها الإسلام أمة واحدة في دار الإسلام المتصلة الحدود- وراء فواصل الأجناس واللغات والأنساب والألوان- ستظل ضعيفة مهيضة إلا أن تثوب إلى دينها، وإلى رايته الواحدة؛ وإلا أن تتبع خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدرك أسرار القيادة الربانية التي كفلت لها النصر والعز والتمكين.
ونقف مرة أخرى أمام قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين}..
فنجد أمراً بقتال الذين يلون المسلمون من الكفار. لا يذكر فيه أن يكونوا معتدين على المسلمين ولا على ديارهم.. وندرك أن هذا هو الأمر الأخير، الذي يجعل الانطلاق بهذا الدين هو الأصل الذي ينبثق منه مبدأ الجهاد، وليس هو مجرد الدفاع كما كانت الأحكام المرحلية أول العهد بإقامة الدولة المسلمة في المدينة.
ويريد بعض الذين يتحدثون اليوم عن العلاقات الدولية في الإسلام، وعن أحكام الجهاد في الإسلام، وبعض الذين يتعرضون لتفسير آيات الجهاد في القرآن.. أن يتلمسوا لهذا النص النهائي الأخير قيداً من النصوص المرحلية السابقة؛ فيقيدوه بوقوع الاعتداء أو خوف الاعتداء! والنص القرآني بذاته مطلق، وهو النص الأخير! وقد عودنا البيان القرآني عند إيراد الأحكام، أن يكون دقيقاً في كل موضع؛ وألا يحيل في موضع على موضع؛ بل يتخير اللفظ المحدد؛ ويسجل التحفظات والاستثناءات والقيود والتخصيصات في ذات النص. إن كان هناك تحفظ أو استثناء أو تقييد أو تخصيص.
ولقد سبق لنا في تقديم السورة في الجزء العاشر، وفي تقديم آيات القتال مع المشركين والقتال مع أهل الكتاب، أو فصلنا القول في دلالة النصوص والأحكام المرحلية والنصوص والأحكام النهائية على طبيعة المنهج الحركي للإسلام فحسبنا ما ذكرناه هناك.
إلا أن الذين يكتبون اليوم عن العلاقات الدولية في الإسلام، وعن أحكام الجهاد في الإسلام، والذين يتصدون لتفسير الآيات المتضمنة لهذا الأحكام، يتعاظمهم ويهولهم أن تكون هذه هي أحكام الإسلام! وأن يكون الله- سبحانه- قد أمر الذين آمنوا ان يقاتلوا الذين يلونهم من الكفار، وأن يظلوا يقاتلون من يلونهم من الكفار، كلما وجد هناك من يلونهم من الكفار!.. يتعاظمهم ويهولهم أن يكون الأمر الإلهي هكذا، فيروحون يتلمسون القيود للنصوص المطلقة؛ ويجدون هذه القيود في النصوص المرحلية السابقة!
إننا نعرف لماذا يهولهم هذا الأمر ويتعاظمهم على هذا النحو...
إنهم ينسون أن الجهاد في الإسلام جهاد في سبيل الله.. جهاد لتقرير ألوهية الله في الأرض وطرد الطواغيت المغتصبة لسلطان الله.
جهاد لتحرير الإنسان من العبودية لغير الله، ومن فتنته بالقوة عن الدينونة لله وحده والانطلاق من العبودية للعباد.. {حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} وأنه ليس جهاداً لتغليب مذهب بشري على مذهب بشري مثله. إنما هو جهاد لتغليب منهج الله على مناهج العبيد! وليس جهاداً لتغليب سلطان قوم على سلطان قوم، إنما هو جهاد لتغليب سلطان الله على سلطان العبيد! وليس جهاداً لإقامة مملكة لعبد، وإنما هو جهاد لإقامة مملكة الله في الأرض.. ومن ثم ينبغي له أن يطلق في الأرض كلها، لتحرير الإنسان كله. بلا تفرقة بين ما هو داخل في حدود الإسلام وبين ما هو خارج عنها.. فكلها أرض يسكنها الإنسان وكلها فيها طواغيت تعبد العباد للعباد!
وحين ينسون هذه الحقيقة يهولهم طبعاً أن ينطلق منهج ليكتسح كل المناهج، وأن تنطلق أمة لتخضع سائر الأمم.. إنها في هذا الوضع لا تستساغ! وهي فعلاً لا تستساغ!.. لولا أن الأمر ليس كذلك. وليس له شبيه فيما بين أنظمة البشر اليوم من إمكان التعايش! إنها كلها اليوم أنظمة بشرية. فليس لواحد منها أن يقول: إنه هو وحده صاحب الحق في البقاء! وليس الحال كذلك في نظام إلهي يواجه أنظمة بشرية؛ ليبطل هذه الأنظمة كلها ويدمرها كي يطلق البشر جميعاً من ذلة العبودية للعباد؛ ويرفع البشر جميعاً إلى كرامة العبودية لله وحده بلا شريك!
ثم إنه يهولهم الأمر ويتعاظمهم لأنهم يواجهون هجوماً صليبياً منظماً لئيماً ماكراً خبيثاً يقول لهم: إن العقيدة الإسلامية قد انتشرت بالسيف، وأن الجهاد كان لإكراه الآخرين على العقيدة الإسلامية؛ وانتهاك حرمة حرية الاعتقاد!
والمسألة على هذا الوضع لا تكون مستساغة.. لولا أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق.. إن الإسلام يقوم على قاعدة: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} ولكن لماذا ينطلق إذن بالسيف مجاهداً؛ ولماذا اشترى الله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة {يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون}؟.. إنه لأمر آخر غير الإكراه على العقيدة كان هذا الجهاد.. بل لأمر مناقض تماماً للإكراه على العقيدة.. إنه لضمان حرية الاعتقاد كان هذا الجهاد؛.. لأن الإسلام كإعلان عام لتحرير الإنسان في الإرض من العبودية للعباد؛ يواجه دائماً طواغيت في الأرض يخضعون العباد للعباد. ويواجه دائماً أنظمة تقوم على أساس دينونة العبيد للعبيد؛ تحرس هذه الأنظمة قوة الدولة أو قوة تنظيمية في صورة من الصور؛ وتحول دون الناس في داخلها ودون سماع الدعوة الإسلامية؛ كما تحول دونهم ودون اعتناق العقيدة إذا ارتضتها نفوسهم، أو تفتنهم عنها بشتى الوسائل.. وفي هذا يتمثل انتهاك حرية الاعتقاد بأقبح أشكاله.
ومن هنا ينطلق الإسلام بالسيف ليحطم هذه الأنظمة، ويدمر هذه القوى التي تحميها.. ثم ماذا؟.. ثم يترك الناس- بعد ذلك- أحراراً حقاً في اختيار العقيدة التي يريدونها. إن شاءوا دخلوا في الإسلام، فكان لهم ما للمسلمين من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات، وكانوا إخواناً في الدين للسابقين في الإسلام! وإن شاءوا بقوا على عقائدهم وأدوا الجزية، إعلاناً عن استسلامهم لانطلاق الدعوة الإسلامية بينهم بلا مقاومة؛ ومشاركة منهم في نفقات الدولة المسلمة التي تحميهم من اعتداء الذين لم يستسلموا بعد، وتكفل العاجز منهم والضعيف والمريض كالمسلمين سواء بسواء.
إن الإسلام لم يكره فرداً على تغيير عقيدته؛ كما انطلقت الصليبية على مدار التاريخ تذبح وتقتل وتبيد شعوباً بأسرها- كشعب الأندلس قديماً وشعب زنجبار حديثاً- لتكرههم على التنصر. وأحياناً لا تقبل منهم حتى التنصر، فتبيدهم لمجرد أنهم مسلمون.. وأحياناً لمجرد أنهم يدينون بمذهب نصراني مخالف لمذهب الكنيسة الرسمية.. وقد ذهب مثلاً اثناء عشر ألفاً من نصارى مصر ضحايا بصور بشعة إذا أحرقوا أحياء على نار المشاعل لمجرد مخالفتهم لجزئية اعتقادية عن كنيسة روما تتعلق بانبثاق الروح القدس من الآب فقط، أو من الآب والابن معاً! أو يتعلق بما إذا كان للمسيح طبيعة واحدة لاهوتية، أو طبيعة لاهوتية ناسوتية... إلى آخر هذه الجزئيات الاعتقادية الجانبية!
وأخيراً فإن صورة الانطلاق في الأرض لمواجهة من يلون المسلمين من الكفار تهول المهزومين روحياً في هذا الزمان وتتعاظمهم؛ لأنهم يبصرون بالواقع من حولهم وبتكاليف هذا الانطلاق فيهولهم الأمر.. وهو يهول فعلاً!.. فهل هؤلاء الذين يحملون أسماء المسلمين، وهم شعوب مغلوبة على أمرها؛ أو قليلة الحيلة عموماً! هل هؤلاء هم الذين سينطلقون في الأرض يواجهون أمم الأرض جميعاً بالقتال، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله؟! إنه لأمر لا يتصور عقلاً.. ولا يمكن أن يكون هذا هو أمر الله فعلاً ولكن فات هؤلاء جميعاً أن يروا متى كان هذا الأمر؟ وفي أي ظرف؟ لقد كان بعد أن قامت للإسلام دولة تحكم بحكم الله؛ دانت لها الجزيرة العربية ودخلت في هذا الدين، ونظمت على أساسه. وقبل ذلك كله كانت هناك العصبة المسلمة التي باعت أنفسها لله بيعة صدق، فنصرها الله يوماً بعد يوم، وغزوة بعد غزوة، ومرحلة بعد مرحلة.. وأن الزمان قد استدار اليوم كهيئته يوم بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليدعو الناس- في جاهليتهم- إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فجاهد والقلة التي معه حتى قامت الدولة المسلمة في المدينة. وأن الأمر بالقتال مر بمراحل وأحكام مترقية حتى انتهى إلى تلك الصورة الأخيرة.. وأن بين الناس اليوم وهذه الصورة أن يبدأوا من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول.
ثم يصلوا- يوم أن يصلوا- إلى هذه الصورة الأخيرة بإذن الله.. ويومئذ لن يكونوا هم هذا الغثاء الذي تتقاسمه المذاهب والمناهج والأهواء؛ والذي تتقاسمة الرايات القومية والجنسية والعنصرية. ولكنهم سيكونون العصبة المسلمة الواحدة التي ترفع راية: لا إله إلا الله. ولا ترفع معها راية أخرى ولا شعاراً، ولا تتخذ لها مذهباً ولا منهجاً من صنع العبيد في الأرض؛ إنما تنطلق باسم الله وعلى بركة الله..
إن الناس لا يستطيعون أن يفقهوا أحكام هذا الدين، وهم في مثل ما هم فيه من الهزال! إنه لن يفقه أحكام هذا الدين إلا الذين يجاهدون في حركة تستهدف تقرير ألوهية الله وحده في الأرض ومكافحة ألوهية الطواغيت!
إن فقه هذا الدين لا يجوز أن يؤخذ عن القاعدين، الذين يتعاملون مع الكتب والأوراق الباردة! إن فقه هذا الدين فقه حياة وحركة وانطلاق. وحفظ ما في متون الكتب. والتعامل مع النصوص في غير حركة، لا يؤهل لفقه هذا الدين، ولم يكن مؤهلاً له في يوم من الأيام!
وأخيراً فإن الظروف التي نزل فيها قول الله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين}..
تشير إلى أن أول المقصودين به كانوا هم الروم.. وهم أهل كتاب.. ولكن لقد سبق في السورة تقرير كفرهم الاعتقادي والعملي، بما في عقيدتهم من انحراف، وبما في واقعهم من تحكيم شرائع العبيد..
وهذه لفتة لابد من الوقوف عندها لفقه منهج هذا الدين في الحركة تجاه أهل الكتاب، المنحرفين عن كتابهم، المتحكمين إلى شرائع من صنع رجال فيهم!.. وهي قاعدة تشمل كل أهل كتاب يتحاكمون- راضين- إلى شرائع من صنع الرجال وفيهم شريعة الله وكتابه، في أي زمان وفي أي مكان!
ثم لقد أمر الله المسلمين أن يقاتلوا الذين يلونهم من الكفار وليجدوا فيهم غلظة، وعقب على هذا الأمر بقوله:
{أن الله يحب المتقين}..
ولهذا التعقيب دلالته.. فالتقوى هنا.. التقوى التي يحب الله أهلها.. هي التقوى التي تنطلق في الأرض تقاتل من يلون المسلمين من الكفار؛ وتقاتلهم في {غلظة} أي بلا هوادة ولا تميع ولا تراجع.. حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
ولكنه ينبغي أن نعرف وأن يعرف الناس جميعاً أنها الغلظة على الذين من شأنهم أن يحاربوا وحدهم- وفي حدود الآداب العامة لهذا الدين- وليست هي الغلظة المطلقة من كل قيد وأدب!
إنه قتال يسبقه إعلان، وتخيير بين: قبول الإسلام، أو أداء الجزية، أو القتال.. ويسبقه نبذ العهد إن كان هناك عهد- في حالة الخوف من الخيانة- (والأحكام النهائية تجعل العهد لأهل الذمة الذين يقبلون مسالمة الإسلام وأداء الجزية؛ ولا عهد في غير هذه الحالة إلا أن يكون بالمسلمين ضعف يجعل الحكم المتعين في حالتهم هذه هو الحكم المرحلي الذي كان في حالة تشبه الحالة التي هم فيها).